أصرف على الوزارة
خلف الحربي
أيام زمان .. قبل مائة عام تقريبا .. حين كنت في ريعان الشباب، كان لدي زميل عمل يرفض مشاركتنا في إصلاح جهاز التكييف العطلان أو المساهمة في شراء أدوات القهوة والشاي تحت شعار: (أنا ماني مكلوف أصرف على الوزارة)، وفي أحد الأيام حاول التهرب من (قطة الفطور) الشهرية بحجة أنه ينتظر قرار نقله بين لحظة وأخرى واقترح أن يدفع سهمه بشكل يومي!، فقال له أحد الزملاء الكبار في السن: (لا جا نقلك نبي نعطيك كرتون جبن مثلث وعلبة طحينية ..وتطلع ربحان!).
كنا نفسر كل تصرفاته بأنه يعاني من متلازمة البخل الشديد، ولكنني اليوم أرى أنه محق في حكاية (أنا ماني مكلوف أصرف على الوزارة) لأن بعض الجهات الحكومية يعجبها أن يتبرع الموظفون بشراء حاجاتهم الأساسية التي يفترض أن توفرها جهة العمل. واليوم دخلنا في موال جديد حيث إن بعض الموظفين الذين عانوا من الصرف على وزاراتهم أصبحوا يطلبون من المواطنين الذين يراجعون إداراتهم أن يشاركوا في (القطة)!، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث لأحد القراء حيث ذهب لتسجيل ابنه (عبد الله) في روضة أطفال حكومية، فوافقوا على تسجيل الابن مقابل أن يدفع الأب ألف ريال بالتمام والكمال بحجة أن (الدادات) أو الخادمات القائمات على رعاية الأطفال لا تصرف لهن رواتب!. قالوا له: (معليش .. أعذرونا .. ولو أنتم اشتكيتم فسوف نتضرر ولكن هذا المبلغ يصرف لمصلحة أطفالكم)، في البداية رفض أبو عبد الله الدفع لأن مثل هذا السلوك قد يؤدي إلى فساد كبير، ولكن حاجته لإدخال ابنه إلى المدرسة جعلته يرضخ نوعا ما لطلبهم فدفع نصف المبلغ المطلوب (500 ريال) على اعتبار أن نصف الفساد أرحم من كله!. ولكن الطريف أن والدة عبد الله كلما ذهبت إلى الروضة للاطمئنان على ولدها تواجه السؤال الدائم: (فين باقي المبلغ؟) وهكذا تحول التبرع إلى دين يستحق دفعه كي يضمن (عبادي) بقاءه في هذه الروضة، ويقول أبو عبد الله إنه يصادف بعض أولياء الأمور الذين يشتكون من أن إدارة الروضة تطلب منهم شراء أشياء لا علاقة لهم بها (مكيف، برادة ماء، ورق طباعة، طباشير)!.
كم تمنيت لو تهورت إدارة هذه الروضة وسجلت ابن زميلي القديم ثم طلبوا منه بكل أريحية أن يدفع ألف ريال لزوم (الدادات)!، فأنا واثق أنه سوف يجبرهم على بيع ثيابهم ورغم ذلك سيخرجون خلفه وهم يقولون: (تكفى .. قدر ظروفنا لأننا ما نقدر نصرف راتب لولدك أكثر من ألفي ريال)!.