آفات الحلف
إن اليمين مشروعة بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع المسلمين، فقد أمر الله -عز وجل- نبيه محمداً -عليه الصلاة والسلام- أن يقسم؛ لتأكيد بعض ما أقسم عليه، كما في قوله تعالى لنبيه: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) [يونس53].وقوله تعالى (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ) [التغابن7] وقوله -عز وجل- (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) [سبأ3]، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقسم بالله بعدة صور، كقوله -صلى الله عليه وسلم- "والذي نفسي بيده، ومقلب القلوب، والذي نفس محمد بيده، والله، ورب الكعبة"وأجمع أهل العلم على مشروعية اليمين وثبوت أحكامها، وأنها شرعت في الأصل لتوكيد المحلوف عليه.
اعلموا أرشدكم الله لطاعته أن اللسان من نعم الله العظيمة فهو صغير جرمه، عظيم طاعته وجُرمه ومن تعظيم الله وإجلاله حفظ اليمين فلا يُحلف بالله إلا عند الحاجة ويكون الحالف صادقًا لأن ذلك من كمال التوحيد وقد أمر الله -سبحانه- عباده بحفظ اليمين، قال تعالى (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ).
والحفظ يكون بأمور منهاعدم الإكثار من الحلف وعدم الحنث فيه أي التراجع عما حلف عليه، إلا إذا حلف على ترك أمر هو خير وكذلك عدم ترك الكفارة عند الحنث فمن المعلوم أن من يُكثر الحلف يكثر حنثه، ويقل تكفيره ليمينه، وكل ذلك من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد وللحلف حفظكم الله آفات يقع فيها البعض إما متعمدا أو متهاونا أو جاهلا بما يترتب عليها من أحكام شرعية.
فمن آفات الحلف الاستخفاف بها أن تتخذ وسيلة لترويج السلع قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "الحلف منفقة للسلع ممحقة للكسب" رواه البخاري ومسلم" يريد التغرير بالمشتري ليصدقه بموجب اليمين فيكون هذا الحالف عاصياً لله آخذاً للزيادة بغير حق، فيعاقبه الله بمحق البركة من كسبه وربما يتلف الله ماله كله.
ومن آفات الحلف تساهل بعض الناس بالأيمان في مجال الخصومات والتقاضي، فيحلف الخصم ليكسب القضية على خصمه بالباطل دون مبالاة بحرمة اليمين والجراءة على رب العالمين قال الله تعالى (إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) روى الإمام مسلم في صحيحه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ) فقال له رجل وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال وإن كان قضيباً من أراك ) وروى البخاري في صحيحه أن أعرابياً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله" قال ثم ماذا؟ قال اليمين الغموس قلت وما اليمين الغموس؟ قال الذي يقطع مال امرئ مسلم )يعني بيمين هو فيها كاذب.
ومن آفات الحلف ما يحلف به البعض كالحلف بالشرف، أو الحلف بالأمانة أو العهد ، بل بعضهم يجعلون الحلف بالأمانة أو الشرف أو العهد آكد من الحلف بالله -عز وجل-، ولا شك أن هذا جهل فاضح وضلال مبين.
ومن آفات الحلف التي جاء النهي عنها الحلف بالبراءة من دين الإسلام، كقول بعضهم -عياذا بالله هو برئ من دين الإسلام إن فعل كذا وكذا! أوهو يهودي أو نصراني من كان عمل كذا وكذا أخرج أبو داود عن بريدة -رضي الله عنه- قال رسول الله (مَن حلف فقال إني برئ من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام صادقا) وفي صحيح مسلم: "مَن حلف بملة غير ملة الإسلام فهو كما قال".
ومن آفات الحلف ما يفعله البعض -هداه الله - الحلْف بالطلاق! أو بتحريم ما أحل الله له فما أكثر ما تسمع من أحدهم قوله: "عليَّ الطلاق" عند تأكيده لأمر أو نفيه له، أو حثٍّ عليه أو منع منه وبعضهم يقول عَلَيَّ الطلاق بالثلاث!! ولا شك أن من جعل الطلاق يمينه على طرف لسانه يردده عند كل تأكيد أو نفي أو حث أو منع، لا شك أنه مستهين بهذا العقد متلاعب به وأنه على خطر كبير جدا فالحذر الحذر والعجب كل العجب أن تجد من أبناءنا صغيرهم وكبيرهم من يحلف بالطلاق وهو أعزب حتى أصبح الحلف بالطلاق رمزا وعادة عندهم وهذا نتاج الآباء فهم القدوة!! .
وقبل الختام يجدر التنبيه على أمر فقهي مهم قال -عز وجل- (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ)
حيث يخطئ في فهم الكفَّارة بعض الناس؛ فمنهم مَن يرى أنه مخيرا بين الصفات كلها فيفعل ما يشاء منها، ولكن المقصود بالآية أن المكفر مخير بين الإطعام والكسوة أو عتق رقبة، فإذا لم يجد واحدة من هذه الثلاث انتقل إلى الصيام وعلى هذا فمن قدر على الإطعام أو الكسوة لم يجز له أن يكفر بالصيام، وكذلك مما يخطئ فيه بعض الناس الفهم الخاطئ في الإطعام، فتراه يعطي الطعام المقدر شرعا في هذه الآية يعطيه لفقير واحد، والذي دلت عليه الآية أنه لابد من إطعام عشرة مساكين؛ وعلى هذا فإعطاء طعام الكفارة لفقير واحد لا يصح ا.هـ (فتاوى اللجنة الدائمة).
نسأل الله -عز وجل- أن يأخذ بنواصينا جميعا بالبر والتقوى، وأن يعيننا على حفظ ألسنتا من كل سوء وتكون حجة لنا لا علينا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه / بندر بن ابراهيم الحمود
المملكة العربية السعودية-الخرج-
البريد الألكتروني:ddbbllty@gmail.com
تويتر: @banderband3