لا يا معالي الأمين
يوسف المحيميد
لا يمكن أن نتجاهل دور الأمانة في الجانب الترفيهي والتثقيفي في مدينة الرياض، ولا أحد ينكر اهتمامها بالمسرح خلال الأعياد، بل خلال أيام السنة كلها، مثلها في ذلك، مثل أمانات المدن المتقدمة وبلدياتها، ولكنها لا تشبه أمانات تلك المدن في تأسيس بنى تحتية لتصريف السيول ومواجهة الكوارث الطبيعية، ولا تشبهها لا من قريب ولا من بعيد، في التخطيط لمستقبل آمن لحياة مواطنيها.
صحيح أننا نحب المسرح كثيراً، ونستمتع بعالمه ولحظاته الجميلة، لكن حياتنا أهم من المسرح معالي الأمين، ولعلك صرّحت بما يخيفنا أيضاً، بأن هبّة الرياح وسيل النصف ساعة ذلك اليوم، لو تكررت فستحدث كارثة! ثم أعلنت بأن شبكات التصريف في الرياض لا تغطي ثلث المدينة، ودعني أهمس لك بأنه حتى الثلث أثبت فشله الذريع في تصريف قطرات مطر عابرة.
كنا ننتظر منك أن تظهر وتعلن مسؤوليتك الكاملة عما حدث، كنا ننتظر أن تتقصى ما يحدث في الجهاز الإداري والتنظيمي الذي تتولى قيادته، أن تعلن نتائج تلك الفوضى في عقود المشاريع والأنفاق التي لم يمض على تشغيلها سوى سنة واحدة، ومع ذلك لم تصرّف قطرة ماء، من نفّذ هذا المشروع؟ ومن استلم ذاك المشروع من مهندسي الأمانة؟. كنا ننتظر حركة دائبة في جهازك المهم، وأن تعلن حالة الطوارئ في أمانتك، كما أعلنت المدينة حالة الطوارئ فيها، لتنجز تقريراً حاسماً وواضحاً وكاشفاً ليس للقيادة فحسب، بل حتى للمواطن نفسه، لأنه لم يعد المواطن الذي كان قبل ثلاثين عاماً، فقد أصبح يعي ويفهم ويدرك ما يحيط به، ولك أن تلقي نظرة عما يقوله هذا المواطن الساخط في الجرائد الإلكترونية ومواقع الإنترنت ومنتدياته.
كنّا ننتظر جولتك لحظة الحدث، لا بعدها بيومين أو ثلاثة، بعدما أزيحت ملامح القبح عن المدينة التي نحبّها، كنا نقول إن مواطناً بحجم ثقافتك، مؤمناً بمسؤولياته وممارساً لسلطاته، لن يهدأ له بال ولا قرار، حتى يوسع الجرح الذي كشفه المطر، فيراه تماماً ويدرك ماهيته، قبل أن يطهّره جيداً، ويعالجه بشكل نهائي.
كنا ننتظر...
وكنا نحلم كثيراً...
فكما كنت تقف بجوارنا أيام الفرح والأعياد، تسعدنا وأطفالنا، انتظرنا أن تقف معنا في يومنا الأسود الكئيب، يوم الثالث من مايو، وتواسينا وتشعر بالقلق علينا، وتلمس الأذى الذي لحق بنا.
كنّا نحلم بأنك تشعر بأننا منك وفيك، أمناء على الكلمة، كأمانتك على المدينة، كنّا نرى بأنك تنتظر بأن نقول ونتكلم، نقول كلمة حق، ونتكلم بحزن ولوعة، لكنك خالفت حلمنا وانتظارنا، وتداخلت مع برنامج تلفزيوني أسبوعي، لتحاكم شيخاً مثقفاً، تساءله كيف تحدّث في مطلع برنامجه عن كارثة مطر الرياض، دون أن يسأله أحد، وهل عليه، وعلينا، أن نصمت حتى يتم سؤالنا عن رأينا بما يحدث، أو حكم ما حدث؟ كيف نقمع ضمائرنا ونكبحها يا معالي الأمين؟ كيف نفعل ذلك ونحن شهود على ما حدث؟
لا أعتقد أن مكانتك ومسؤولياتك تجعل منك مجرّد متداخل مع برنامج أو ما شابه، كي تفنّد رأياً أو تجادل اتهاماً، فهذا ليس دورك، بل دور قسم صغير لديك، اسمه (العلاقات العامة)، لأننا نتوقع أن تكون مشغولاً بأمر أكبر، كآثار الاثنين الأسود وتبعاته!