حقوق المتقاعدين
د. سليمان العريني
كل سنة يتم تحويل أكثر من 40 مليار ريال من رواتب موظفي وموظفات الدولة، للقطاعين المدني والعسكري، إلى المؤسسة العامة للتقاعد لتنميتها واستثمارها لمصلحة ملاكها والمستفيدين منها في المستقبل، وهم الموظفون والموظفات المتقاعدون وذووهم. ويتوقع أن تبلغ المبالغ المحولة من رواتب الموظفين عن الـ 20 سنة الماضية أكثر من ألف مليار ريال، دون احتساب عوائد الاستثمار، التي يمكن أن تزيدها إلى أكثر من خمسة آلاف مليار ريال، على أقل تقدير. وفي ظل هذا الحجم من الأموال والاستثمارات ودرجة التأثير المتوقعة في حياة الملايين من الموظفين والموظفات، نتساءل عن توجيه وكيفية إدارة هذه الاستثمارات, ومدى مشاركة المتقاعدين في إدارة استثماراتهم, ودرجة وحجم وشفافية المعلومات المتاحة للمستفيدين والملاك عن استثماراتهم, وما دور الجهات المختصة والرقابية في الدولة مثل ديوان الرقابة ومؤسسة النقد في عملية استثمار أموال المؤسسة أو مراقبة وتقييم استثمارها؟ وهل تعمل المؤسسة على أساس أنها موظفة لخدمة الملاك (الموظفين والمتعاقدين)؟
هناك ثلاث عمليات رئيسة في نظام التقاعد، حيث يتم الحصول على تمويل شهري من خلال مساهمة الموظفين والموظفات على أساس 9 في المائة من راتب الموظف الشهري (سواء المدني أو العسكري) وتضاف إليها من الدولة 9 في المائة للموظف المدني و13 في المائة للموظف العسكري. كما يتم الحصول على تمويل آخر من خلال عوائد الاستثمار المختلفة من عقار وأسهم وغيرها، التي من المفترض أن تكون استثمارات ذات مخاطر منخفضة. وتتمثل العملية الثالثة من عمل مؤسسة التقاعد في تقديم دفعات شهرية للمستفيدين وأسرهم. ولعل من أهم المعلومات التي يود المتقاعدون الحصول عليها بشكل دوري وبشفافية كاملة معلومات عن حجم الاستثمارات، وأنواعها، والجهات التي تم ويتم الاستثمار فيها، وحجم الخسائر، إذا وجدت، وأسبابها، وغيرها من المعلومات المالية والاستثمارية التي تهم الملاك. كما ينبغي الإفصاح عن أي عمليات مع أطراف ذات علاقة، كما هو الحال مع المتطلبات القانونية للشركات المساهمة والبنوك. وهناك أيضاً عدد من الموضوعات التي ينبغي التعامل معها بما يخدم المتقاعد وذويه بشكل أفضل, فنظام التعاقد ينص على توقف نصيب الابن من تقاعد والده أو والدته عند بلوغه سن الـ 21 ما لم يكن طالبا، ويستمر الصرف حتى إكماله الدراسة أو عند بلوغه سن الـ 26، أيهما أقرب، كما يتوقف عند زواج البنت أو الأم أو عملهما، ويعاد بعد الطلاق. وهذه القواعد لا تأخذ في الاعتبار أن التقاعد هو حصيلة جهد سنوات عمل طويلة أمضاها الموظف بهدف تأمين حياة كريمة لنفسه ولمن يعول. أما بالنسبة للمرأة العاملة فالمعمول به حالياً هو صرف راتبها، أو حقها من تقاعد زوجها المتوفى أو أبيها المتوفى، ولا يجوز لها الجمع بين راتبها ونصيبها من تقاعد زوجها أو أبيها، على الرغم من أن لكلٍ منهم شخصية اعتبارية مستقلة ويدفع كل منهم نسبة التقاعد بشكل متساوٍ طوال فترة خدمتهم. كما أن النظام لا يجيز للأبناء الحصول على نصيبهم من تقاعد والديهم المتوفين, بل يصرف لهم فقط تقاعد أحدهما، وهذا مصادرة لحقهم في الحصول على نصيبهم من تقاعد الوالد الآخر، ما يثير تساؤلا حول من الذي يرث أو يحصل على هذا الحق؟ أما الأبناء الذين يتجاوزون السن المحددة أو يحصلون على وظيفة أو البنات اللاتي يتزوجن أو يحصلن على وظيفة، فيسقط حقهم في التقاعد، ولا يوزع نصيبهم على بقية إخوتهم، إن كان لهم إخوة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عمن الذي يرث أو يحصل على حقهم؟ وهناك المتقاعد الذي يتوفى وليس له أبناء أو زوج، أو له أبناء لكنهم تجاوزوا السن المحددة أو حصلوا على وظائف، أين يذهب تقاعده؟ ومن المستفيد من مبالغ هذا التقاعد؟ كما أنه لا يصرف للمتقاعد أي علاوة سنوية لمواكبة معدل التضخم وارتفاع مستوى المعيشة السنوي, كما لا يوجد أي اهتمام بالبرامج الصحية للعناية بالمتقاعدين وعائلاتهم، وتوفير برامج التأمين الصحي المناسبة، ولا تقدم لهم مزايا مثل التخفيضات في أسعار الأدوية أو السلع أو التذاكر أو المنح أو السكن، وبخاصة المرأة المتقاعدة التي لا تتمتع بأي ميزة في أنظمة التقاعد, بل تعامل وكأنها تعيش على هامش الحياة.
كما أنه قد يكون من المناسب ونحن نعاني مشكلة البطالة وصعوبة توظيف الخريجين بشكل كبير، النظر في مسألة التقاعد المبكر والحث عليه وتخفيض السنوات اللازمة للتقاعد المبكر، مع عدم الإضرار بحقوق ومزايا المتقاعدين المالية. أما ما يثار من مقترحات بتخفيض المعاش التقاعدي للمتقاعد، واحتساب المعاش التقاعدي على أساس متوسط راتب آخر خمس سنوات خدمة وليس على أساس المعاش الأخير كما هو معمول به حاليا، وعدم حصول الموظف على كامل الراتب الأساسي حتى لو بلغت خدمته الحد الأقصى (40) سنة، وإنما يحصل فقط على ما لا يزيد على 80 في المائة من الراتب، فهذه تمثل تجاوزات وإضرارا بحقوق المساهمين والملاك، كما يفهم منها أن هناك مشكلات في الحصول على عوائد استثمارية عالية بسبب الدخول في مشاريع أو صفقات غير مربحة، الأمر الذي يثير تساؤلا حول طريقة اتخاذ قرارات الاستثمارات وما إذا كانت مدروسة بشكل صحيح أو لا.
وقد يكون من المناسب تقييم طريقة ومنهجية وآلية وكفاءة واستقلالية استثمار المؤسسة العامة للتقاعد من جهات خارجية مستقلة، وذلك للتأكد من صحة ومعقولية القرارات الاستثمارية وتمشيها مع رغبات وتوجهات المستثمرين. كما يمكن البدء أيضاً في إنشاء جمعية عمومية، يتكون أعضاؤها من الموظفين والمتقاعدين، كما هو الحال في الشركات المساهمة، على أن تقوم الجمعية العمومية بانتخاب مجلس الإدارة، والاطلاع على وتقييم أداء المؤسسة، والتعامل مع والاستفادة من مؤسسة النقد في عملية توجيه استثمارات المؤسسة، وغيرها من الأعمال التي ترى الجمعية العمومية متابعتها. وهذا الإجراء، حتماً، سيساعد الإدارة الحالية على نقل وتطوير أعمال المؤسسة بشكل أفضل.