جدية التعليم العالي وجودته
د. صالح الكريِّم
يطرح البعض على وزارة التعليم العالي سؤالا لا أجده في مكانه وكأنهم بذلك يستغربون من موقفها حول التعاقد مع أساتذه يحملون شهادة الدكتوراة من جامعات إقليمية وفي نفس الوقت لا تعترف بشهادة الدكتوراة للسعوديين الحاصلين عليها من نفس الجامعات، مما يقود إلى سؤال الوزارة مباشرة: لماذا أصلا لا تبتعثون المعيدين والمحاضرين وطلاب وطالبات الدراسات العليا إلى تلك الجامعات؟
إن البعض ينظر إلى هذا السؤال أنه في محله، بل ويحمل فلسفة الدفاع عن الحق والمنطق والأمر غير ذلك، لأن الأمور تؤخذ بأبعادها الوطنية وخططها الاستراتيجية ودراساتها المستقبلية، ومن ينظر إلى رؤية وأهداف التعليم العالي بعمق يجد أن أحد أبرز ملامحها الجدية والجودة وهما ما تقوم عليهما استراتيجيات الابتعاث حيث الاحتكاك العلمي العالمي عالي الجودة، والجامعات العالمية الآخذة بالجدية بينما أحد أهداف التعاقد تقوم على ضرورة توفير احتياجات التعليم العالي والاستفادة ما أمكن من عطاءات موجودة، إن جميع جامعات العالم العربي بما في ذلك الجامعات السعودية فيما يخص الدراسات العليا تفتقر إلى الجدية في مناهجها والجودة في أبحاثها، والجدية والجودة تستلزمان خبرة أكاديمية وإمكانيات معملية، ودعما ماليا كبير وحضورا علميا وبحثيا مواكبا لما في تلك الجامعات ذات المستوى العالي، إن الجامعات السعودية هي الأكثر قربا للجامعات العالمية بسبب خطتها الاستراتيجية للابتعاث قبل مايقرب أكثر من ثلاثين عاما، وقد حصدت نتائجها في جامعاتها في تخصصات الطب والهندسة والعلوم، وهي اليوم تحقق مزيدا من هذا النجاح بمشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث والذي أحد أبرز ملامحه البحث عن جامعات الجدية والجودة خاصة في الدراسات العليا، ولقد ركزت على احتياجات الوطن في العلوم الطبية والهندسية والعلوم التقنية ونظم المعلومات والحاسبات.
أما التخصصات الإسلامية والشرعية واللغة العربية فيجب أن يكون لدى الوزارة استراتيجية الابتعاث الداخلي في الجامعات السعودية وتنشيط الدراسات العليا في هذه التخصصات في أقسامها، وهناك جامعتان رائدتان هما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والجامعة الإسلامية وبعض الكليات والأقسام في جامعة أم القرى وجامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز، وترك المجال لتحضير الدراسات العليا في هذه التخصصات من جامعات دول عربية ليس عليها غبار لكن الاعتراف بها يؤدي إلى الإكثار منها وتكاثرها؛ وبالتالي تزيد من رقعة تخصصات غير مطلوبة وفرض قبول أساتذة حملة دكتوراة لا تنطبق عليهم شروط التعليم العالي من حيث معدل درجة البكالوريوس والأعمار والمعايير في المقابلة الشخصية. أما كون أنه يتم التعاقد مع غير السعوديين في هذه التخصصات فغالبا ما يكون تم اختيارهم من جهاتهم وهم مؤهلون، وكم كنت أتمنى ألا تكون الوزارة غيرت مسار جامعتي الإمام محمد بن سعود الإسلامية والجامعة الإسلامية وجعلتهما جامعتان عالميتان في الدراسات الإسلامية والشرعية واللغة العربية. بعيدا عن تخصصات الطب والهندسة والعلوم فإذا أصرت على جمع التخصصات بما في ذلك الطب والهندسة والعلوم فإنه لايكون هناك أي معنى لتسميتها بالإسلامية ويكفي أن نطلق عليهما اليوم جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض وجامعة المدينة المنورة أو جامعة الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة وسأوضح في مقالة قادمة بإذن الله لماذا يجب حذف لقب الإسلامية عنهما.