نظام «ساهر» وحده لا يكفي
نواف مشعل السبهان
بعد طول انتظار بدئ بتطبيق نظام المراقبة الإلكتروني للمرور \'\'ساهر\'\' في بعض مناطق المملكة، وسوف يبدأ تطبيقه تباعا في كل المناطق حين يتم تجهيز متطلباته، وصاحب التطبيق دعاية ضخمة لما سوف يفعله من ضبط لشوارعنا والمرور فيها، بدلا من هذه الفوضوية المرورية العارمة التي باتت من سماتها، ولفت النظر في هذه الدعاية والإعلان عنه طغيان الجانب المادي على الجوانب التنظيمية والتصحيحية لكثير من السلوكيات التي تعد من الأسباب الجوهرية لهذه الفوضى المرورية، فعقوبات المخالفات والتجاوزات سوف تقتصر على رسالة هاتفية صغيرة وعاجلة لإعلام المخالف بمخالفته ومطالبته بتسديد قيمتها المادية فورا، وكأن القضية هي فقط مادية بحتة هدفها تحقيق أكبر إيراد ممكن لتغطية تكاليف النظام التي تصل لمليارات الريالات، وتحويل المرور لمجرد استثمار مادي يأتي بعائد مالي فقط، وهذه نظرة محدودة إذا كان الهدف العام والأساسي هو إشاعة انضباط مروري شامل يعكس مظهرا حضاريا ويهتم بتقويم سلوكياتنا المرورية السلبية الشائعة والممارسة على نطاق واسع، وهو تقويم ثبت أنه لم تحققه شعارات أسابيع المرور العديدة والمديدة، ولم تأت بمردود إيجابي طوال الحقب السابقة على عصر \'\'ساهر\'\'، ولكن ثبت من تجارب غيرنا أنه يتحقق من خلال عقوبات صارمة تشمل كل أشكال وأنواع المخالفات، وليس بعضها دون الآخر، فالمخالفة مهما كانت هي تعد على حق عام ممثل في نظام المرور، وحق خاص ممثل في حق المرور الآمن للفرد بسلام وبالأولوية النظامية.
لا شك أن الغرامة المالية هي الجزء الأساسي في العقوبات على المخالفات، وقاعدة من قواعد فرض النظام المروري، ولكنها يجب ألا تكون هي العقوبة الوحيدة، فهناك نماذج لا مانع لديها من دفع الغرامة المادية، إذا اقتصر عليها، من أجل ممارسة نزواته المرورية وتجاوزاته السلوكية السلبية من سرعة وخلافه، ولأجل تحقيق شمولية وديمومة لفرض انضباطية المرور في شوارعنا، وكما نراها في دول كثير تسير فيها العملية المرورية بنظامية سلسة ومتقنة تثير الإعجاب، وتنعكس من خلالها صورة حضارية في السلوك المروري، لا بد من أن تكون العقوبات عبارة عن سلسلة تصاعدية مرتبطة بتكرارية مخالفات الفرد من ناحية، وخطورتها من ناحية أخرى، ففي بعض البلاد يوقع على من تجاوز السرعة لحد معين غرامة مالية، وإذا تجاوز هذا الحد يحول للمحكمة لارتكابه مخالفة كبيرة تحتاج إلى حكم قضائي فيها، وهذا ما جعل للعقوبات هناك أهمية فيما سوف تؤدي إليه مثل تضاعفها في حالة تكرارها، والمطلوب مع تطبيق \'\'ساهر\'\' أن يفهم الجميع أن الأمر لن يكون مقتصرا عند مجرد دفع غرامة مالية وكفى، بل لا بد من التوضيح أن هناك إجراءات سوف تستتبع ذلك من ناحيتين، الأولى أن تكرار المخالفات سوف يؤدي لمزيد من الأعباء تصل مثلا إلى حجز السيارة لفترة زمنية، ولسحب رخصة القيادة نهائيا كعقوبة قصوى، والثانية أن عقوبة المخالفة لن تكون واحدة، بل حسب مداها وفداحتها، فعقوبة من تسجل عليه مخالفة سرعة بسيطة، غير عقوبة من تسجل عليه سرعة عالية وخطرة، فالعقوبات في أي نظام هدفها الأساسي هو الردع وإلا تفقد هيبتها.
أيضا يلاحظ أن نظام \'\'ساهر\'\' سوف يكون مقتصرا على متابعة وضبط مخالفات مهمة ولا شك مثل السرعة وقطع الإشارات وتجاوز خطوط المشاة مثلا، ولكن ماذا عن مخالفات أخرى لا تقل سوءا عنها مثل السقوط على المسارات والوقوف الخاطئ لحد تعطيل الحركة أو التصارع عند التقاطعات والميادين وعند الإشارات ممن يأتون من خارج المسارات لأخذ حق الغير في المرور بدون وجه حق، أو السير ببطء شديد لأن السائق منشغل بمكالمة هاتفية ..؟. وإلى غير ذلك من سلوكيات سلبية لا أظن أن نظام \'\'ساهر\'\' مصمم لمتابعتها وضبطها، وهنا يأتي الدور البشري لرجال المرور الذين عليهم استكمال نظام \'\'ساهر\'\' بمتابعة ميدانية سوف يوفر وقته لهم بمتابعة وضبط مثل هذه السلوكيات الخاطئة والسلبية، وقد لاحظت مثلا أثناء الحملة القائمة حاليا لضبط ربط حزام الأمان، أن أفراد المرور الذين يقومون بجهد يشكرون على تطبيقه منتشرون عند كثير من الإشارات والتقاطعات، تركيزهم فقط على ربط الحزام، ولم ألاحظ أحدا منهم تدخل لضبط مخالفات أخرى كوقوف البعض عند الإشارة من خارج المسار ليسابق الآخرين ويزاحمهم على المرور.
القضية في مشكلتنا المرورية ليست فقط في المخالفات، بل أيضا في السلوكيات السلبية التي لا تقل إيذاء منها، وهو ما يجب أن تشمله حملة الانضباط المروري الشاملة، وهذا عبء ندعو لأجهزتنا المرورية التوفيق فيه، ولتعاون الجميع معهم لسلامة الجميع أولاً، ثم لعكس صورتنا الحضارية ثانياً.