التبرعات من جيوب المساهمين.!
د.يوسف بن أحمد القاسم
أحياناً نسمع أو نقرأ في وسائل الإعلام خبراً مفاده قيام شركة بتبرع بمبلغ وقدره (...) للجهة الفلانية, والسؤال الملح: هل هذا التصرف نظامي, أم لا؟ وإذا كان نظامياً فهل هو موافق للشرع؟
لو رجعنا إلى المادة «الثلاثين» من نظام الشركات السعودي نجد أنها نصت على موضوع تبرع مدير الشركة, وأن المنع من التبرعات هو الأصل, والسماح بها هو الاستثناء, ونص المادة: (لا يجوز للمدير أن يباشر الأعمال التي تجاوز الإدارة العادية إلا بموافقة الشركاء, أو بنص صريح في العقد. ويسري هذا الحظر بصفة خاصة على الأعمال الآتية: 1- التبرعات- ما عدا التبرعات الصغيرة المعتادة...) أ.هـ فأجازت المادة النظامية التبرع استثناء, ولكن بقيدين, أو شرطين:
الأول: أن يكون التبرع صغيراً.
الثاني: أن يكون التبرع في حدود العادة.
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما حد الصغر؟ وكيف يمكن ضبط التبرع المعتاد وغير المعتاد؟!
ولاشك أن الصغر يعسر ضبطه, حيث يختلف حجمه بحسب اختلاف حجم ميزانية الشركة, وما تحققه من أرباح أو خسائر... إلخ, وأما المعتاد فإنه وإن أمكن الرجوع لأهل الخبرة للوقوف على الشيء المعتاد, إلا أن كثيراً من التبرعات ليس فيها عادة منضبطة, وأعتقد أن هذا من أبرز أسباب حذف الاستثناء في مشروع نظام الشركات, حيث نص مشروع النظام على الآتي: (.. ويسري الحظر بصفة خاصة على الأعمال الآتية: 1- التبرعات..) ولم يستثن.
وعوداً على نظام الشركات, وعلى المادة الثلاثين تحديداً, فإنه متى رأى المساهمون أن التبرع كان كبيراً, أو كان صغيراً ولكنه خارج حدود المعتاد - كأن لم تجر العادة بالتبرع لجهة ما... إلخ - فإن لهم رفع دعوى بالمساءلة ضد المتورط بهذا النوع من التبرعات؛ لأنه تبرع خارج حدود الصلاحية الممنوحة للمدير, أو لأعضاء مجلس الإدارة, حيث يعد هذا التبرع من إساءة تدبير شؤون الشركة, وبعثرة أموالها دون وجه حق, وقد جاء في المادة «السادسة والسبعين»: (يسأل أعضاء مجلس الإدارة بالتضامن عن تعويض الشركة أو المساهمين أو الغير عن الضرر الذي ينشأ عن إساءتهم تدبير شؤون الشركة, أو مخالفتهم أحكام هذا النظام, أو نصوص نظام الشركة, وكل شرط يقضي بغير ذلك يعتبر كأن لم يكن) ومن مخالفة أحكام هذا النظام التبرعات الكبيرة, أو التي تكون خارج المعتاد. هذا من حيث النظام.
أما موقف الفقه الإسلامي, فإنه يمنع أي تبرع وإن كان صغيراً إلا بإذن المالك - وهو المساهم هنا - لأن التبرع من مال الغير محظور شرعاً, والكرم في نظر الفقه لا يكون إلا من مال الكريم, لا من مال الغير, ويسمى التبرع من مال الغير فقهاً بـ «هبة الفضولي» وهي هبة محرمة شرعاً؛ لأنه ليس لأحد سلطان على مال غيره ولو كان مالاً قليلاً, وقد جاء في الحديث الشريف: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) ويلاحظ هنا أنه قال ـ عليه الصلاة والسلام: (مال امرئ مسلم) فلم يحده بالكثرة, يعني: ولو كان قليلا.
ثم إنه مع تحريم هبة الفضولي شرعاً, فقد اختلف الفقهاء هل تبطل الهبة لو وقعت, أو تبقى موقوفة على إجازة صاحب الحق؟
خلاف بين أهل العلم, وقد ذهب جمهورهم إلى بطلانها مطلقاً, وذهب آخرون إلى أنها تظل موقوفة على إجازة صاحب الحق, فإن أجازها وإلا بطلت.
إذن موقف الفقهاء حاسم من تبرعات المدير بأموال المساهمين, وهو أنه لا يجوز له التبرع إلا بإجازة صاحب المال - وهو المساهم هنا - فإن أجاز التبرع به وإلا بَطَل, وتحمَّل المدير أو أعضاء مجلس الإدارة مسؤولية المجازفة بأموال المساهمين. وحسبما يظهر, فإن بعض القوانين والأنظمة العالمية توافق ما قرره الفقهاء, خلافاً لما عليه العمل في نظام الشركات السعودي. وواضح أن واضعي النظام السعودي قد تراجعوا عن رأيهم السابق إلى ما رآه أهل الفقه, وإن لم يقفوا أصلاً على رأيهم.
وقد يقول قائل: إن التصويت على براءة الذمة يعفي المدير أو أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية, ويمكن أن يكون هذا تطبيقاً على رأي من قال من الفقهاء بأن هبة الفضولي موقوفة على إجازة صاحب المال, والواقع أن هذا غير صحيح؛ لأن الجمعية العامة تصدر قراراتها بالأغلبية, والمساهم فقها ً- له أن يصوِّت على التبرع من ماله لا من مال غيره, ناهيك أن الجمعية العامة لا يسمح بحضورها إلا لمن يملك عشرين سهماً على الأقل, وبالتالي يستبعد من التصويت شريحة واسعة من المساهمين, فلا يؤخذ رأيهم في التبرع بأموالهم الخاصة.