سلوكيات الهاتف بين الذوق والاحترام
نبأ طرح الكاتب والأديب الكويتي فيصل بن خزيم العنزي مؤخراً قضية تستحق التوقف عندها، جاءت بعنوان "سلوكيات الهاتف بين الذوق والاحترام"، من خلال إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ، تناول فيها مظاهر أصبحت متكررة في المجتمع الرقمي المعاصر، حيث لم تعد الاتصالات مجرد وسيلة تواصل، بل تحولت إلى مرآة تعكس وعي الإنسان وثقافته وذوقه العام وطريقة تعامله مع الآخرين؛ وبقدر ما تبدو هذه الظواهر بسيطة أو اعتيادية، إلا أنها تكشف عن مستوى نضج الفرد واحترامه للوقت والعلاقات الاجتماعية، وتعيد طرح سؤال مهم: هل نستخدم التكنولوجيا بوعي أم أننا نتركها تستخدمنا؟
تحدث العنزي عن نماذج من السلوكيات اليومية التي نمر بها جميعاً، كالاتصال بعد منتصف الليل لمجرد أنّ الشخص متصل الآن، وكأن ظهور الضوء الأخضر على الشاشة أصبح بمثابة تصريحٍ بالطرق على باب الآخر في أي ساعة، متناسين أن الوجود الرقمي لا يعني الجاهزية الفعلية، وأن الانشغال أو التعب أو الرغبة في الخصوصية أمور حقيقية لا تُرى لكنها يجب أن تُحترم؛ ومن السلوكيات الأكثر غرابة المكالمات في أوقات الصلاة؛ حين يصبح السؤال البديهي "ألا تصلي؟" سبباً لغضب المتصل بدل الاعتذار، في صورة تعكس خللًا في الوعي قبل السلوك، وكأن احترام أوقات العبادة أو الخصوصية أصبح خياراً لا واجباً.
ويمتد الحديث إلى الفئة التي تكرر الاتصال عدة مرات خلال دقيقة واحدة دون توقف، وكأن الإلحاح يصنع الاستجابة، أو أن الضغط المتكرر على زر الاتصال سيجبر الآخر على الرد؛ وفي كل مرة يغيب إدراك بسيط مفاده: لو كان الطرف الآخر قادراً على الرد لفعل ذلك من البداية؛ ثم تأتي الرسائل التي لا تنتهي عبر تطبيقات التواصل، رسائل متتابعة بلا هدف أو خاتمة، وكأن الطرف الآخر متفرغ على مدار الوقت، متجاهلين أن لكل شخص مساحة ومهام وخصوصية.
هذه الظواهر ليست تفاصيل ثانوية كما يعتقد البعض، بل هي انعكاس مباشر للذوق الشخصي، للتربية، للفهم، وللقدرة على إدراك أن التواصل الحقيقي لا يقوم فقط على الكلام، بل على اختيار الوقت المناسب للكلام؛ فالتكنولوجيا توفر السرعة، أما الذوق فيمنح العلاقة جمالها واحترامها واستمراريتها؛ ومن هنا فإن سؤالاً بسيطاً قبل إجراء أي اتصال قد يغيّر كثيرًا من الأمور: هل الوقت مناسب؟ هل العلاقة تسمح؟ هل قد أزعج الطرف الآخر؟ وهل الاتصال ضرورة أم يمكن تأجيله؟ أسئلة صغيرة لكنها تؤسس لثقافة تواصل أرقى وأوعى وأعمق.
إن القضية التي طرحها فيصل بن خزيم العنزي تكشف حاجة ملحة لإعادة النظر في عادات الاتصال الحديثة ؛ فالهاتف لا يعكس فقط صوت المتحدث، بل يعكس سلوكه ووعيه الداخلي، ويظهر مستوى تقديره لوقت الآخرين واحترامه لحياتهم الخاصة؛ ومع اتساع مساحة التكنولوجيا في حياتنا، يصبح من المهم أن نتذكر أن الاحترام ليس تقنية.. بل قيم وتربية؛ وأن الذوق ليس في ماذا نقول؟ بل في متى وكيف نقول؟؛ وربما لا نحتاج إلا إلى قليل من التريث وكثير من الوعي لنمنح تواصلنا قيمة أجمل، ولنبقى مقبولين في دائرة الآخرين بدل أن نثقل عليهم بلا قصد.
ولعل هذا الطرح يكون بداية لتصحيح مفاهيم، ولمراجعة هادئة تجعل من هواتفنا جسراً للود، لا باباً مفتوحاً على الإزعاج؛ فالتواصل الجميل لا يقاس بعدد المكالمات، بل بقدر ما نحترم الوقت، ونفهم الطرف الآخر، ونطرق بلطف قبل أن نطلب الدخول.
مبارك بن عوض الدوسري
تحدث العنزي عن نماذج من السلوكيات اليومية التي نمر بها جميعاً، كالاتصال بعد منتصف الليل لمجرد أنّ الشخص متصل الآن، وكأن ظهور الضوء الأخضر على الشاشة أصبح بمثابة تصريحٍ بالطرق على باب الآخر في أي ساعة، متناسين أن الوجود الرقمي لا يعني الجاهزية الفعلية، وأن الانشغال أو التعب أو الرغبة في الخصوصية أمور حقيقية لا تُرى لكنها يجب أن تُحترم؛ ومن السلوكيات الأكثر غرابة المكالمات في أوقات الصلاة؛ حين يصبح السؤال البديهي "ألا تصلي؟" سبباً لغضب المتصل بدل الاعتذار، في صورة تعكس خللًا في الوعي قبل السلوك، وكأن احترام أوقات العبادة أو الخصوصية أصبح خياراً لا واجباً.
ويمتد الحديث إلى الفئة التي تكرر الاتصال عدة مرات خلال دقيقة واحدة دون توقف، وكأن الإلحاح يصنع الاستجابة، أو أن الضغط المتكرر على زر الاتصال سيجبر الآخر على الرد؛ وفي كل مرة يغيب إدراك بسيط مفاده: لو كان الطرف الآخر قادراً على الرد لفعل ذلك من البداية؛ ثم تأتي الرسائل التي لا تنتهي عبر تطبيقات التواصل، رسائل متتابعة بلا هدف أو خاتمة، وكأن الطرف الآخر متفرغ على مدار الوقت، متجاهلين أن لكل شخص مساحة ومهام وخصوصية.
هذه الظواهر ليست تفاصيل ثانوية كما يعتقد البعض، بل هي انعكاس مباشر للذوق الشخصي، للتربية، للفهم، وللقدرة على إدراك أن التواصل الحقيقي لا يقوم فقط على الكلام، بل على اختيار الوقت المناسب للكلام؛ فالتكنولوجيا توفر السرعة، أما الذوق فيمنح العلاقة جمالها واحترامها واستمراريتها؛ ومن هنا فإن سؤالاً بسيطاً قبل إجراء أي اتصال قد يغيّر كثيرًا من الأمور: هل الوقت مناسب؟ هل العلاقة تسمح؟ هل قد أزعج الطرف الآخر؟ وهل الاتصال ضرورة أم يمكن تأجيله؟ أسئلة صغيرة لكنها تؤسس لثقافة تواصل أرقى وأوعى وأعمق.
إن القضية التي طرحها فيصل بن خزيم العنزي تكشف حاجة ملحة لإعادة النظر في عادات الاتصال الحديثة ؛ فالهاتف لا يعكس فقط صوت المتحدث، بل يعكس سلوكه ووعيه الداخلي، ويظهر مستوى تقديره لوقت الآخرين واحترامه لحياتهم الخاصة؛ ومع اتساع مساحة التكنولوجيا في حياتنا، يصبح من المهم أن نتذكر أن الاحترام ليس تقنية.. بل قيم وتربية؛ وأن الذوق ليس في ماذا نقول؟ بل في متى وكيف نقول؟؛ وربما لا نحتاج إلا إلى قليل من التريث وكثير من الوعي لنمنح تواصلنا قيمة أجمل، ولنبقى مقبولين في دائرة الآخرين بدل أن نثقل عليهم بلا قصد.
ولعل هذا الطرح يكون بداية لتصحيح مفاهيم، ولمراجعة هادئة تجعل من هواتفنا جسراً للود، لا باباً مفتوحاً على الإزعاج؛ فالتواصل الجميل لا يقاس بعدد المكالمات، بل بقدر ما نحترم الوقت، ونفهم الطرف الآخر، ونطرق بلطف قبل أن نطلب الدخول.
مبارك بن عوض الدوسري
